المادة    
نأتي إلى الرواية المعروفة كما قلنا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهي قوله: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى} وقد ختمت رواية أنس ورواية عبد الله بن عمر، بالعبارة نفسها لكن في رواية عبد الله بن عمر -المتفق عليها- ذكر الشهادتين والصلاة والزكاة ولم يذكر فيها الذبح، وليس هناك اختلاف؛ لأن الإمام البخاري رحمه الله ترجم للباب الذي ذكر فيه حديث عبد الله بن عمر في أول كتاب الإيمان بعنوان: باب: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ))[التوبة:5].
أما رواية أنس فقد ذكرها البخاري رحمه الله في آخر الكتاب في أبواب الصلاة؛ ليبين أهمية استقبال القبلة، وابن حجر رحمه الله عندما جاء لشرح حديث أنس أحال إلى ما قاله في حديث عبد الله بن عمر، وإذا رجعنا إلى هذا الحديث نجد فيه كلاماً طويلاً في موضوع أحكام المسلمين، من ذلك أن بعض العلماء قالوا: الحديث غريب -ولن نتحدث الآن عن وجه غرابته- وإن رواه الشيخان فإنه يطعن فيه لغرابته، مستدلين بالنقاش الذي جرى بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في مسألة مانعي الزكاة، عندما قال عمر لـأبي بكر: [[كيف تقاتل الناس وهم يشهدون أن لا إله إلا الله؟ ]] فاحتج عليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: [[ألم يقل: إلا بحقها؟]] قالوا: فلو كان الحديث محفوظاً لاحتج به أبو بكر رضي الله تعالى عنه، لأن أبا بكر في هذا الموضع أحوج ما يكون إلى أن يحتج به إذ فيه التصريح بلفظ: (ويؤتوا الزكاة) مع الصلاة ومع الشهادتين، فلماذا يلجأ إلى قوله: (ألم يقل: إلا بحقها؟) وهذا منه استدلال بالنص، بينما قوله: [[والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة]] استدلال بالفهم والاستنباط، فقالوا: لماذا يلجأ إلى ذلك وعنده حديث ابن عمر وفيه التصريح بالزكاة؟
والجواب أن نقول:
أولاً: لا يعني ذلك القدح في الحديث أو أن الصحابة لم يعلموا به، لكن الصديق رضي الله تعالى عنه عندما قال: (إلا بحقها) هذا من باب الاستدلال على الخصم بجزء من كلامه، فهو من أقوى أنواع الأدلة؛ فلما قال له عمر: (كيف تقاتل الناس وهم يشهدون أن لا إله إلا الله؟) فرد عليه بتتمة الحديث بقوله: (إلا بحقها)، بمعنى أن إيتاء الزكاة من حقها، فهو إلزام للخصم بشيء مما ذكر أو مما هو معلوم لديه، وإن لم يصرح بلفظه.
ثانياً: أن قول الصديق رضي الله تعالى عنه: [[والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة]] استنباط من الآية والحديث، فكأن الأمر معلوم، وكأنه بهذا قد ذكر الصحابة الكرام بهذا الحديث وبالآيتين من سورة التوبة: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ))[التوبة:5]، والأخرى: ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ))[التوبة:11] لكن المتعلق بالموضوع هو: (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) أي: لا تقاتلوهم، فمن لم يفعل فإننا نقاتله، وهذا فما ذكر بالنسبة لهذا الحديث.